نظرا للظروف السیاسیة الخطرة التی مر بها الإمام المهدی والعسکری (علیهما السلام) عمل کل واحد منهما على وضع وکلاء من الفقهاء الزهاد والعلماء الأخیار یوصلون رسائلهم وأموال الناس من والى الإمام (علیه السلام)، وازداد الضغط السیاسی أکثر فأکثر فی أواخر حیاة الإمام الحسن العسکری (علیه السلام) فمثلا کان لزاما علیه أن یأتی فی مجلس الإمارة کل إثنین وخمیس من أیام الأسبوع وکانت حرکاته ومجالسه کلها مرصودة وتحت رقابة صارمة، لذلک عمد إلى نصب الوکلاء وإستمر موضوع الوکلاء إلى زمن الإمام المهدی (علیه السلام)، بل کان عهده أشد خطرا وأکثر خنقا لأن العباسیین حاولوا بکل وسیلة لقتل الإمام المهدی والقضاء علیه، لهذا کان الإمام فی غیبته الصغرى یتصل بالشیعة عبر وکلائه الأربعة.
الشیخ عثمان بن سعید کنیته (أبو عمرو) ولقبه العمری أو السمان، لأنه کان تاجرا بالسمن (الدهن) وهی مهنة یحاول من خلالها التغطیة على دوره وإتصاله بالإمام.
وکان العمری ثقة الإمام الهادی والعسکری أیضا فقد سال أحمد بن إسحاق من الإمام الهادی یوما: من أعامل وعمن آخذ وقول من أقبل؟
فقال الإمام: العمری ثقتی فما أدى إلیک عنی فعنی یؤدی وما قال لک عنی فعنى یقول فاسمع له وأطع فإنه الثقة المأمون.
وهذه شهادة عظیمة فی حق العمری من الإمام المعصوم تدل على مقامه ومنزلته ونال العمری شرف اللقاء بالإمام المنتظر مرات ومرات حسب ما کانت تملیه الظروف، وقبل وفاته أمره الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) أن ینصب إبنه وکیلا للإمام المهدی (عجل الله فرجه) لیتولى الأمور بعد وفاة أبیه.
محمد بن عثمان العمری کنیته (أبو جعفر) وکانت رسائل عثمان (الأب) قد وصلت إلى زعماء وکبار الشیعة یخبرهم فیها بأنه عین إبنه محمد نائبا عنه بأمر الإمام المهدی (عجل الله فرجه) وإستمر (أبو جعفر) فی هذا المنصب الخطیر ینال الشرف تلو الشرف من کثرة لقاءاته بالإمام حیث بقی ویکلا لمدة خمسین عاما، إلى أن دنى أجله وأوصى بأمر الوکالة إلى الحسین بن روح.
الحسین بن روح کنیته (أبو القاسم) ولقبه النوبختی کان هذا الرجل مشهورا بالفضل والوثاقة من قبل الشیعة والسنة فله رصید هائل من الجماهیریة والشعبیة فی الأوساط ومارس الوکالة بکل أمانة ودقة إلى أن أوصى قبل رحیله إلى النائب الرابع والأخیر.
علی بن محمد کنیته (أبو الحسن) ولقبه (السمری) إختاره الإمام لمقام الوالة والسفارة وإمتاز السمری بالکرامات والفضائل فقد أخبر وهو فی بغداد بموت علی بن الحسین بن بابویه القمی والد الشیخ الصدوق وهو فی الری فکان إخباره مطابقا للواقع، ومع إمتداد الأیام بالشیخ السمری وقرب أجله بعث إلیه الإمام المهدی هذه الرسالة قبل وفاته بستة أیام (بسم الله الرحمن الرحیم، یا علی بن محمد السمری أعظم الله أجر إخوانک فیک فإنک میت ما بینک وبین ستة أیام فاجمع أمرک ولا توصی أی أحد فیقوم مقامک بعد وفاتک فقد وقعت الغیبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذکره وذلک بعد طول الأمد وقسوة القلوب وإمتلاء الأرض جورا).
فأعلن السمری ذلک للشیعة وفعلا توفی بعد ستة أیام.
وجوب الإعتقاد بالمهدی فی غیبته الکبرى
یجب على کل مسلم ان یعتقد بوجود الإمام المهدی الآن وانه حی یرزق وانه حقیقة وواقع لا تؤثر علیه الأیام والسنین غایة ما فی الأمر أن العمر إمتد به کما سنتکلم عن ذلک لاحقا.
والإعتقاد به (عجل الله فرجه) من ضروریات الدین فکل من أنکره فإنه خراج ومرتد عن الدین الإسلامی، یقول الإمام الحسن العسکری (علیه السلام): إن المقر بالأئمة بعد رسول الله (صلى الله علیه وآله) المنکر لولدی کمن أقر بجمیع انبیاء الله ورسله ثم أنکر نبوة رسول الله (صلى الله علیه وآله) والمنکر لرسول الله کمن أنکر جمیع أنبیاء الله لأن طاعة آخرنا کطاعة أولنا والمنکر لآخرنا کالمنکر لأولنا أما إن لولدی غیبة یرتاب فیها الناس إلا من عصمه الله.
وقال الإمام الکاظم لما سئل أنت القائم بالحق؟
فقال: أنا القائم بالحق ولکن القائم الذی یطهر الأرض من أعداء الله ویملأها عدلا کما ملئت جورا هو الخامس من ولدی له غیبة یطول أمدها خوفا على نفسه یرتد فیها أقوام ویثبت فیها آخرون طوبى لشیعتنا المتمسکین بحبلنا فی غیبة قائمنا..
إذن هذه عقیدة المسلم الذی یتبع مذهب أهل البیت (علیهم السلام) فعلیه أن یؤمن أن الإمام المنقذ المنتظر المهدی موجود ولکن لا یعرفه أی أحد إلا من یشاء الله ولا یقوم بالنهضة المبارکة إلا بعد توفر مجموعة من المقدمات.
نعم هناک إعتقاد فاسد عند بعض المسلمین وهم أهل السنة والجماعة إذ یعتقدون أن المهدی ضرورة حتمیة ولکن یرون أنه لم یولد بعد وانه سیولد فی حینه، والسبب انهم لا یتقبلون روایات الأئمة (علیهم السلام) من جهة، ویستصعبون هذا العمر المدید من جهة ثانیة.
وکلا الجهتین توهم خاطئ، لأن أئمتنا معصومین وهم حجة الله على هذا الخلق فمن أعرض عنهم أعرض عن الحق وعن الله تبارک وتعالى وأما بالنسبة للعمر الطویل فإنا سنتناول ذلک.