یمکن بیان هذا الأمر من ناحیتین:
الأولى: لاشک أن الإمام المهدی هو أمل الأنبیاء والاوصیاء وجمیع الأمم والشعوب فالکل یتطلع إلى عصر الأمان والسلام والسعادة وبهذا یکون دور الإمام المهدی مهما ومقامه ووجوده أهم ومنزلته عند الله تعالى لا یعلمها إلا هو تبارک وتعالى، فإذا کان کذلک قد تتدخل القدرة الإلهیة لحفظ هذا الإمام العظیم نظرا لدوره الجسیم فی المستقبل ویکون طیلة هذه المئات من السنین تحت رعایة الله بصورة غیبیة إعجازیة لحفظه وصونه وإبعاد الخطر والشر عنه کما تدخلت المعجزة لحفظ إبراهیم الخلیل وإیقاف النار من الإحراق وکما تدخلت المعجزة لحفظ بنی إسرائیل وموسى وهارون بإیقاف سیلان ماء البحر، وهکذا تتولد المعاجز من الله تعالى لإیقاف بعض القوانین الکونیة من أجل المحافظة على الرسل او الأوصیاء الذین یقع على عاتقهم دور خطیر فلماذا لا نؤمن إذن بهذا النوع من الإعجاز الذی یمارسه الله تعالى لحفظ عمر الإمام المهدی (عجل الله فرجه) وصیانة جسده وأجهزته من التلف والعجز وتطویل عمره بهذا الشکل الإعجازی مادمنا مسلمین ونعتقد أن قدرة الله تعالى غیر متناهیة؟
وقد حصل مثل ذلک فی أصحاب الکهف إذ حفظ الله أبدانهم من التلف مع حفظ أرواحهم وکل ما یتصل بهم وبعثهم من بعد نومهم إلى الناس لیکونوا آیة من أنکر المعاد أو أنکر القدرة الإلهیة.
فیمکن إذن أن نقول أن إبقاء الإمام المهدی هذه السنین المتمادیة دون أن یهرم أو یمر بدور الشیخوخة عبارة عن معجزة إلهیة تفرضها طبیعة المرحلة والظروف الاجتماعیة والمشروع الإلهی.
الثانیة: أما إذا واجهنا إنسانا ملحدا لا یؤمن بقدرة الله فنستطیع أیضا أن نوضح له طول عمر الإمام بشکل یسیر وبسیط، لأن العلم الحدیث یصرح أن خلایا الإنسان قابلة للادامة والبقاء بنفس الفاعلیة فیما إذا توفرت لها ظروف واجواء خاصة، أی أن تطویل عمر الإنسان لیس مستحیلا بل ممکنا ومادام الأمر ممکنا إذن صار من الیسیر جدا البحث عن الطرق الموصلة لمثل هذه المعرفة والحقیقة ولذلک تراهم عمدوا إلى تطویل عمر بعض النباتات أو الحیوانات کمقدمة وتجربة للوصول من خلالها إلى أسرار الإنسان.
ونحن نعتقد أن الإمام المهدی وارث الأنبیاء والمرسلین بل هو وارث خاتم النبیین فعنده من العلم والمعرفة ما لا تدرکه عقولنا، فما المانع أن یکون لدیه علم من خلاله یحافظ الإمام على عمره من التلف ضمن نظام غذائی وروحی وبیئی لم یتوصل إلیه العلم الحدیث؟
إذن لیس أمام موضوع طول العمر أی دلیل علمی معارض ما عدى أمر واحد هو أن الناس لم تألف هذا النوع من الأعمار وهذا لیس دلیلا حتى یعارض وجود الإمام فقد عاش نوح950 سنة وعاش الکثیر من المعمرین فی أنحاء العالم أعمار مختلفة.
مع الإعتراف والیقین أن الإمام المهدی فی غیبة طویلة ولکن هذه الغیبة لا تفصل الإمام عن الإحتکاک بالمجتمعات لاسیما محبیه ومریدیه وشیعته، لأن غیبة الإمام لیست غیبة شخصیة بأن یعتقد الناس خطأ أن شخص الإمام غیر موجود على ظهر هذه الأرض، بل هو موجود ویعیش حولنا ویتابع الأمور عن کثب ویراقب الأحداث ویتداخل فی بعضها ویزاول بعض الشعائر الإسلامیة مع الناس کالزیارات لقبور آبائه الأطهار أو إقامة المآتم لذکرهم (علیهم السلام) ولکن لا أحد یعرفه ولا یتوجه إلى ذلک احد إلا من اختاره الله وأذن له، وهذه الغیبة لا تخلو من فوائد ومنافع کثیرة نشیر إلى بعضها:
أولا: بهذه الطریقة یحفظ الإمام نفسه عن الظلمة والطواغیت والجبابرة الذین یریدون بالإمام شرا ویعمدون لإطفاء نور الله، وفی حفظ نفسه الشریفة فائدة عظمى ترجع إلى الخلق وهی:
أن مجرد وجود الإمام الحجة هو السبب الاکبر والاوحد لبقاء هذا العالم دون إنهیاره، لأن العالم لا یمکن أن یبقى لحظة واحدة دون وجود حجة الله فیه، فوجود حجة الله هو المصحح لبقاء العالم کما ورد فی الحدیث (لولا الحجة لساخت الارض بأهلها) وذلک لأن بقاء الأرض بدون إمام وبدون حجة مخالف للعدل الإلهی ولیس هنا محل بحث هذا المطلب الطویل.
إذن بوجود الإمام یبقى هذا العالم مستمرا فی الوجود وهذه اکبر فائدة من الإمام المهدی إذ ینتفع منها البر والفاجر والمؤمن والکافر.
ثانیا: أنه یحافظ على شریعة جده من الإنحراف فهو (عجل الله فرجه) یتابع سیر الخط الأصیل للإسلام المتمثل بمذهب أهل البیت (علیهم السلام) ویحاول دائما إدراک الموقف وشعب الصدع ولم الشعث.
ثالثا: ووجود الإمام المهدی (عجل الله فرجه) سببا لإستمرار الفیض الإلهی علینا فهو (عجل الله فرجه) کالشمس إذا جللها السحاب فإنه لا یمنع الشمس من أن تصل بمنافعها إلى الناس فرغم وجود السحاب إلا أن الفائدة من وجود الشمس ما تزال قائمة وهکذا غیبة الإمام فإننا نستفید من وجوده المقدس رغم غیبته لأنه سبب الخیر والرزق والرحمة والمغفرة فی العالم.
لم تخلو روایات الأئمة (علیهم السلام) من رسم المنهج لنا فی زمن الغیبة الکبرى فقد وضعوا لنا عدة تکالیف وواجبات یمکن من خلالها الإقتراب من إمامنا المهدی (عجل الله فرجه) منها:
1- إنتظار الفرج: فقد جاء فی الروایات (إن إنتظار الفرج من أفضل العبادات) ومعنى إنتظار الفرج أن یثبت المسلم على الإعتقاد بوجود الإمام المهدی (عجل الله فرجه) ولا یشک فی هذه العقیدة ویعمل بواجباته الشرعیة على أتم وجه دون أن یتأثر بالدعایات والأباطیل ولا ینجرف وراء الأبواق الأمویة المنکرین للمهدی (عجل الله فرجه).
2- الإلتزام الکامل بالخلق الإنسانی الرفیع من الصدق والإخلاص والوقاء ورد الأمانة وإعانة المسلم وعیادة المریض وإقراض المحتاج وإنقاذ المؤمن وغیر ذلک.. لأن هذه الأخلاق الحمیدة ترضی الله وترضی الإمام المهدی عنا بل یفرح الإمام المهدی إذ رأى ذلک فینا لأنه نهجهم وطریقتهم.
3- إشاعة الثقافة المهدویة وتعلیم الناس بضروری الدین وتثقیفهم بالمعلومات المرتبطة بالإمام مثل علامات الظهور الحقیقیة وکیفیة التعامل معها وتمییز الفئة المحقة من الباطلة، وإطلاعهم على بعض شؤون المهدی (عجل الله فرجه).
4- ضرورة الإرتباط بالإمام المهدی روحیا وإیمانیا عبر الأدعیة المهمة فی عصر الغیبة مثل دعاء الندبة وزیارة الإمام المهدی (عجل الله فرجه) وبعض الأدعیة القصار الخاصة به ودفع الصدقة نیابة عنه (عجل الله فرجه) والدعاء له بالفرج والسلامة...
5- ترویج معاجز الإمام وکراماته وأموره الخارقة للعادة للناس لکی تدرک الناس عظمته وتتفاعل معه کما یتفاعلون مع الأنبیاء.
6- طرح مشروع الإصلاح المهدوی للناس وأن الإمام یأتی منقذ للناس ومخلص وان سیفه ینال من الطواغیت الصغار والکبار والظلمة والجبابرة، ولیس کما یفهم بعض الناس أن الإمام المهدی یأتی من أجل إراقة الدماء فقط، بل هو یأتی بالدرجة الأولى لإنقاذ الناس والدین ما براثن الظلمة وأعوانهم، ومن ثم یعمل على إنشاء المدینة الفاضلة والمجتمع المتمدن وإقامة الدولة المتطورة والحیاة السعیدة.
تنقسم علامات الظهور إلى قسمین:
1- العلامات غیر المحتومة: أی التی یمکن ان تقع وتحدث ویمکن أن لا تقع بل تتغیر أو ترفع وهذا التغیر تابع لطبیعة حرکة المجتمعات البشریة فإن الإنغماس فی الإنحراف والفساد له أثر کما أن للإصلاح والخیر أثر مغایر ومن هذه العلامات غیر المحتومة نقص المیاه والثمرات والأغذیة وبعض الحوادث الکونیة والحروب البشریة وتدهور الوضع الاقتصادی..
2- العلامات المحتومة: وهی التی لابد منها وهی الشاخص الذی من خلاله نعرف إقتراب ایام الظهور للإمام (عجل الله فرجه) مثل خروج السفیانی وهی شخصیة أمویة مهمة فی الأحداث یقود رایة الباطل.
والنداء من السماء بصوت جبرئیل ینادی باسم المهدی، وقتل نفس زکیة علویة مهمة بین رکن الکعبة ومقام إبراهیم قبل ظهور الإمام بخمسة عشر یوم، وحصول خسف عظیم بالصحراء بجیش السفیانی فی حدود الحجاز..
هذه أهم علامات الظهور الشریف کما جاءت فی بعض الروایات، فعن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: خمس قبل قیام القائم (عجل الله فرجه): الیمانی والسفیانی والمنادی ینادی من السماء وخسف بالبیداء وقتل النفس الزکیة.
وقال: قبل قیام القائم خمس علامات محتومات الیمانی والسفیانی والصیحة وقتل النفس الزکیة والخسف بالبیداء وقال أیضا (علیه السلام): النداء من المحتوم والسفیانی من المحتوم وخسف البیداء من المحتوم والیمانی من المحتوم وقتل النفس الزکیة من المحتوم.
وقد روی عن الإمام الصادق أیضا عن الصیحة او النداء فقال: یسمعه کل قوم بألسنتهم، وسیکون موعد الصیحة فی شهر رمضان المبارک وستکون عبارة النداء هذه: إن الحق فی علی وشیعته ثم ینادی بإسم المهدی.
ظهور الإمام المهدی (عجل الله فرجه)
لاشک أن الإمام المهدی (عجل الله فرجه) یستخدم السبل الطبیعیة فی محاولة التغییر وبناء العالم الجدید، فهو یعتمد أیضا على أصحاب مخلصین متفانین وأبطال شجعان کما هو ینتظر قواعده الشعبیة أن تصل إلى مستوى من الثقافة والسلوک والأخلاق والإیمان الراقی لأن العالم الجدید والحضارة القادمة التی یؤسسها الإمام ستقوم على الأخلاق والإیمان أکثر من أی شیء آخر.
وسیکون ظهور الإمام المهدی (عجل الله فرجه) من مکة المکرمة ویبایعه فیها أصحابه الذین یصل عددهم إلى313، ثم یتجه الإمام (عجل الله فرجه) صوب العراق محررا هذا البلد المهم من نیر الظالمین ویتخذ الکوفة عاصمة لدولته العظمى الممتدة من القطب إلى القطب ویسکن هو وأهل بیته فی مسجد السهلة وهو من المساجد المقدسة التی زارها الکثیر من الانبیاء والأوصیاء وسیکون ظهوره الشریف بعدما یمتلئ العالم ظلما وجورا واضطرابا وبؤسا.
لقد بعث الإمام المهدی (عجل الله فرجه) رسالتان للشیخ المفید (قدس سره) یوصیه فیهما ببعض البرامج المهمة للشیعة ونحن نقتطف من کلامه بعض الجواهر سلام الله علیه:
- إعتصموا بالتقیة من شب نار الجاهلیة.
- فلیعمل کل امرئ منکم بما یقربه من محبتنا.
- ویتجنب ما یدنیه من کراهتنا وسخطنا.
- ولو أن أشیاعنا على إجتماع من القلوب فی الوفاء بالعهد علیهم لما تأخر عنهم الیمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا.
- إنه من أتقى ربه من إخوانک فی الدین وأخرج مما علیه (أی الخمس أو الزکاة) إلى مستحقیه کان آمنا من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلة.
نوادر فی الإمام المهدی (عجل الله فرجه) قال النبی (صلى الله علیه وآله):
من أنکر خروج المهدی فقد کفر بما أنزل على محمد (صلى الله علیه وآله).
- المهدی یعطی المال بدون عد بل یحثو المال لمن سأله.
- اول من یبایع المهدی جبرئیل.
- المهدی ولد فی العراق ویستقر عند ظهوره فی العراق.
- المهدی یخرج وشکله فی حدود الاربعین.
- وصف المهدی موجود فی جمیع الکتب السماویة والاسفار.
- المهدی یعیش زهد علی بن ابی طالب (علیه السلام).
- فی دولة المهدی لا توجد أدیان أخرى بل الإسلام فقط وحب أهل البیت (علیهم السلام).
- عیسى بن مریم یصلی خلف الإمام المهدی وهو أحد قضاته.
- الأمان فی أرجاء دولته حتى بین الحیوانات.
- المهدی (عجل الله فرجه) یعید سنن المرسلین إلى الحیاة.
- المهدی (عجل الله فرجه) ینتقم من الذین قتلوا الحسین ورضوا بقتله.
- المهدی (عجل الله فرجه) ینتقم من الذین قتلوا أمه فاطمة الزهراء (علیها السلام).